اصلاح الدولة، شرطه نظرية في الانتاجين الاقتصادي والثقافي – الفصل الأول/القسم الرابع – أبو يعرب المرزوقي

Abou Yaareb thumbnail

10887995_1525505701060696_441681945_n

لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله
اصلاح الدولة
شرطه نظرية في الانتاجين الاقتصادي والثقافي

الفصل الأول/القسم الرابع
أبو يعرب المرزوقي

تونس في 30-07- 1439/ 16-04-2018

بدأت المجموعة الثالثة في إصلاح الدولة بهذا التصنيف بمنظور الاقتصاد:
• الأسرة سوق
• والمؤسسة الاقتصادية سوق
• ومنظومة المؤسسات الاقتصادية في نفس القطاع سوق
• جملة القطاعات سوق
• والدولة سوق
• ومنظومة الدول في العالم سوق.
أنهيت الثالثة ببعضها والرابعة تواصلها وهي شديدة التعقيد.
حاولت في المجموعة الثانية أن أتكلم في علاقاتها بعضها بالبعض من المنظور الاقتصادي وعالجت في الثالثة العلاقة بين الاسرة والدولة الكونية وبيان استحالة فهم الثانية من دون الأولى والأولى من دون الثانية ما يعني وكلتاهما ليس فيها سلطان سياسي فوق أطرافها: بين الزوجين وبين الدول: الإشكال.
والمجموعة الرابعة سأبحث فيها المشكلين المتبقيين: العلاقة بين المؤسسة الاقتصادية المفردة في أي جماعة (المؤسسة الثانية) ومنظومة المؤسسات الاقتصادية في العالم (المؤسسة الخامسة لم تذكر لعدم وجود دولة عالمية وهي العولمة وذكرت تحت عنوان منظومة الدول) تخضع لنظام القطاعات في أي الجماعة.
وهو مشكل عويص جدا جدا. فعندما قارنت الأسيرة بوصفها سوقا بالنظام العالمي بوصفه سوقا كلاهما خال من سلطان فوق عناصرها المقومة الأسرة ليس فيها سلطة فوق طرفيها (المرأة والرجل) والنظام العالمي ليس فيه سلطة فوق الدول ذات السيادة بينت ما يترتب على ذلك من وجود تسلط الاقوى في الحالتين.
والآن وصلت إلى العلة العميقة والتي هي مقوما دين العجل أي: سلطان الوساطة (الكلمة) وسلطان الوصاية (العملة) وهما بعدا دين العجل الذهبي الذي هو البنية العملية للحكم باسم الله (ثيوقراطيا) وللحكم باسم الإنسان (انثروبوقراطيا= باسم الشعب ديموقراطيا). كلاهما خداع باسم الله وباسم الإنسان.
لكن حقيقتهما هي حكم باسم ما به يستعبد الإنسان في الحالتين أي بعدي العجل الذهبي: إما بالسلطة الاقتصادية ورمزها العملة (الذهب)أو بالسلطة الإيديولوجية ورمزها الكلمة ((الخوار)وفي الحقيقة فإن الاستعباد يعتمد عليهما معها لأن استعباد للبدن وللروح في هذين النظامين متحدي البنية العميقة.
أما المشكل الثاني وبه أختم المجموعة الرابعة فهو متعلق بالقلب من هذه العلاقات وهو الثالث وقبله الأسرة والمؤسسة الاقتصادية المفردة وبعده جملة القطاعات في الدولة المفردة ثم جملة القطاعات في العالم دون دون دولة عالمية أي العولمة. وإذن فقد وحدت بمنظور اقتصادي بين المحلي والعالمي.
والهدف بيان أن موضوع المسألة الاولى بين الأسرة والإنسانية هو الذي يجعل الاقتصادي من المحلي إلى العالمي أمرا مرسوما في التاريخ الإنساني حتى وإن لم يتحقق إلى في التاريخ المعاصر بعد أن تحققت شروط وحدة المعمورة إقتصاديا ليس من منطلق المواد الخام بل من منطلق السوق عرضا وطلبا.
فتكون الإنسانية مرسومة في الأسرة وتكون العولمة مرسومة في المؤسسة الاقتصادية الفردية مهما كانت هزيلة. وهذا القانون الذي اكتشفته يمكن من فهم كل ما يجري في تاريخ البشرية على المستويات العضوية والروحية والاقتصادية والثقافية ولم يبق إلا تحقيق الدولةِ الدولةَ التي كانت ولا تزال هدف الإسلام.
هذا هو موضوع الجزء الرابع من المحاولة في إصلاح الدولة. وما أعنيه بالدولة هو مفهومها الإسلامي الذي حددته النساء 1 عضويا وروحيا وحدد الحجرات 13 شرطيه الخلقي والقانوني فجعلت العيش المشترك هادفا إلى المعرفة والمعروف بمعيار نفي كل تفاضل يتجاوز التقوى: لا عنصرية عضوية ولا ثقافية.
وبها تنتقل العولمة من مستواها الاقتصادي والثقافي المبني على دين العجل (سواء في شكل ثيوقراطيا أو في شكل انثروبوقراطيا متنكرة فيه) إلى مستواها المبني على دين الله كما حدده القرآن أي ما جاء في سورة النساء 1 والحجرات 13 من شروط التعايش بين البشر كأخوة متساوين في الحقوق والواجبات.
وتلك هي العولمة الإسلامية التي بها ينبغي أن نستأنف دورنا التاريخي الكوني لأن ما أسميه نكوصا من المسلمين إلى الجاهلية هو ظنهم أن الإسلام دين من الاديان وليس تذكيرا بالديني في كل الأديان-دين الله-إذا خلصت مما طرأ عليها من تحريف أضاف إليها ما ليس منه خلطا بين العادات والعبادات.
خذ أي مؤسسة اقتصادية حديثة خاصة في أي قطاع من قطاعات الاقتصاد حتى لو كانت من القطاع الاول الشارط للحياة العضوية للإنسان أعني القطاع الزراعي. وحاول أن تنتظر في مقوماتها الخمسة التي حددنا في بداية هذه الدراسة:
• الفكرة
• الاستثمار
• التمويل
• العمل المنتج والمتصرف
• الاستهلاك.
إذا كانت مؤسسة اقتصادية حديثة فهي ومن حيث كونها اقتصادية عالمية في كل هذه الأبعاد الخمسة بمعنى أنها خاضعة للتنافس السوقي في الأفكار والاستثمار والتمويل والعلم المنتج والمتصرف والاستهلاك. ومن دون ذلك تموت ولا يمكن ان تبقى. وقس عليها كل المؤسسات الاقتصادية.
ومعنى ذلك أنه حتى المستوى الأول من الاقتصادي -الزراعة-فهو بحاجة إلى براءات مبدعة لموضوعها وإلى رجال أعمال مستثمرة في توظيفها لفائدتها الاقتصادية وممولين لها لنفس العلة وعمال وإداريون لتحول الفكرة إلى بضاعة أو خدمة ومستهلكون يطلبوها لسد حاجاتهم. وكلهم من العالم كله: خمسة أسواق.
وهذه الأسواق ليست اقتصادية بمعنى الانتاج المادي فحسب بل هي كذلك ثقافية بمعنيين: أولا الفكرة وهي أبداع البحث العلمي الذي هو من أهم مقومات الثقافة الحديثة وثانيا التسويق وهو من أهم مجالات الإبداع الثقافي المعتمد على الرموز والكلام للتعريف بمميزات البضاعة أو الخدمة لنَفاق سوقها.
ويمكن أن أضيف عاملا ثقافيا مضاعفا آخر وهو أولا المعرفة بأذواق الشعوب المختلفة والمعرفة بمخيال الشعوب لأن كل سياسة تسويق تنبني على استعمال المخيال للتأثير على الأذواق والرغبات ولاختراق الاسواق في التنافس بين عارض البضاعة أو الخدمة. وكنا قد رأينا التفاعل المتبادل بين العرض والطلب.
ذلك أن الناس عادة يتصورون الطلب هو المحرك للعرض وهذا صحيح. لكن العكس أيضا صحيح. فيمكن للعارض أن “يخلق” الطلب. وجل المطلوبات التي تسيطر على القيم التبادلية وليس الاستعمالية هي من هذا النوع أي إنها يسبق فيها العرض الطلب. تخلق الموضة فتصيح مطلوبة من المتنافسين على المظاهر.
وهنا يتدخل السياسي عامة والتناسب بين القوى السياسية للجماعات المتبادلة فضلا عن القوى في الابعاد الاقتصادية الصرفة في عملية الانتاج ذاتها أعني براءات الاختراع ومبادرة الاستثمار والقدرات التمويلية والكفاءات المنتحة من العملة والإدرايين وسوق الاستهلاك سعة وقدرة شرائية في الجماعة.
فلا وجود لاقتصاد ليس وراءه الحجم الكافي لتحقيق شروط هذه المقومات الخمسة والقدرة على حمايتها وفرض إرادتها على الاسواق التي يكذب من يتصورها حرة بحق وليست خاضعة لتوازن القوى بين المتنافسين وبالذات القوة العسكرية ومن هنا دور الأساطيل في بحار العالم وممراته ومضايقه.
وعندما أتكلم على السياسي في الاقتصادي فإني أعني دور القوة تناسباتها والحجوم وأدوارها وخاصة وسائل التأثير التي ليست من طبيعة اقتصادية أعني ليست متعلقة بجودة المنتج أو بصفاته المناسبة لطالبه بل بعلاقتها بالتناسب بين العارض والطالب من حيث قوة التأثير المادية والرمزية المتبادلة.
ولهذا دور في توازنات العرض والطلب الجملي بين الجماعات وموازينها الجارية والاقتصادية ولها من ثم علاقة بالمفهوم الأساسي للدولة أعني بما لها من شروط السيادة الفعلية على تبادلاتها وعلى قدرتها على الحماية والرعاية الذاتي. فالدول العربية تابعة عرضا وطلبا في حياتها من أدناها إلى أسماها.
وعلى هذا الأساس تبنى الاستراتيجيات السياسية لتقسيم العالم بصورة تقلل من المنافسين وسياسة الاستتباع والاستعمار المباشر وغير المباشر وكلاهما يترتب عليه الاستحواذ على أكبر قدر من الاحياز الأربعة واصلها ألذي هو المرجعيات الثقافية والروحية للحضارات للتحكم في الذوق والقيم أصلا للأسواق.
وأهم مبدأ في ذلك هو عكس ما يحصل بين العرب. فالعالم الذي يسيطر فيه العماليق يكون المبدأ الأساسي هو تحقيق شروط العملقة في المجال الاقتصادي وشرطه السياسي المتعلق بالحماية أو القوة العسكرية (من هنا التجمعات والأحلاف). لكن العرب تخضع للنقيض أي أمراء الحرب في الحكم والمعارضة.
فجمع العرب الحاكم منهم والمعارض يخضعون لمنطق أمراء الحرب الذين يريد كل واحد منهم حلم تكوين إمارة محمية يكون فيها غفيرا من حيث حقيقته الفعلية ويسمي نفسه أميرا من مظاهره الشكلية فيبقى قزما ويبق الأمة مجموعة أقزام كلهم عاجزون عن الحماية والرعاية فيصبحون مجرد غفراء في محميات.

أضف تعليق