حتى لا يكون الإسلامي “تياسا” (محللا) – أبو يعرب المرزوقي

حتى لا يكون الإسلامي “تياسا” (محللا)

أبو يعرب المرزوقي

تونس في 2015.01.30

سبق أن أشرت في مداخلتي بعنوان “ما الذي يحول دون تحقيق أهداف الثورة” يوم 17 جانفي 2015 في ندوة المركز الاستراتيجي والدبلوماسي إلى الافخاخ التي قد تنصب للإسلاميين من خلال الدخول في حكومة يتنصل فيها الحزب الأغلبي من تحمل مسؤولية الحكم بمقتضى برنامجه ويبحث عن كمبارسات يمسح فيها فشله المتوقع والذي سيكون منطلقا لانتخابات سابقة لأوانها حتى يحجم الحزب الإسلامي في المجلس إذ سيعاقب من قاعدته التي خان ما اختارته لأجله أعني أنه دخل حكومة ليس له دور في وضع برنامجها الذي هو في الجوهر نقيض برنامجه: محو آثار الثورة باسم تحقيق أهدافها.

وسبق أن تكلمت على ما أعتبره شروطا ضرورية في تأليف الحكومة إذا كان إشراك الإسلاميين فيها صادقا حتى تكون حكومة وحدة وطنية من جنس ما يسمى بالائتلاف الكبير Grande coalition كما يحدث في الديموقراطيات عندما تقتضي المصلحة العامة ذلك: وهو ما يفترض التفاهم على برنامج مشترك وليس الدخول على برنامج لم يشارك في وضعه أحد الأطراف.
وصحيح أن الوضع في تونس اليوم يوجب مثل هذا الحل بهذا الشرط المنعدم لأن الجماعة لا ينفكون يصرحون بأنهم سيطبقون برنامج “الأسرة الديموقراطية الحداثية” يعني برنامج ابن علي في تجفيف المنابع بتقديم بعض الفتات للجهات المحرومة.
فما يعرض على الإسلاميين ربما بسبب لهفة البعض منهم على الحكم أو خوف البعض الآخر من البقاء خارجه لا يقترب حتى من الحد الأدنى بل هو صريح العداء للأهداف الحقيقية للثورة أعني شروط الحرية والكرامة التي تتنافى مع السعي للمزيد من التبعية واللاكرامة.
لذلك فإني اريد الآن أن أكون أكثر صراحة في بيان النتائج الوخيمة ليس على الحزب فحسب بل على البلاد من مثل هذا الدور الذي يمكن وصفه بدور “التياس” أو المحلل في زواج مغشوش أو هو زواج بنية الطلاق العاجل بل هو زواج متعة:

1-النتيجة الوخيمة الأولى سيكون مصدرها الحزب الحاكم:

هي تحمل مسؤولية سياسة في برنامج حكومة لا ناقة للإسلاميين فيه ولا جمل تحملها في الانتخابات التي لن تتأخر. وذلك ضعفين: أولا سيعتبر الوضع الذي عالجته هذه الحكومة موروثا عليهم وسيعتبر كل تعطيل في عملها سببه اضطرارهم لإدخال الفشلة من الإسلاميين فيها وعدم القيام بدور بني وي وي إلى الحد المطلق في المجلس أو بقيامهم به على الأقل في نظر الشعب. ذلك أن الحزب الذي يورطهم في دور التياس هو الذي سيطلب الشعب بإعطائه الأغلبية المطلقة حتى يحقق سياسته دون حاجة إلى الإسلاميين.

2-النتيجة الوخيمة الثانية-

وهي الأخطر على سلامة المسار السياسي للثورة كله- سيكون مصدرها المعارضة التي تريد أن تحتل صدارة المعارضة والاحتجاج وخاصة ما ينوي المرزوقي القيام به للاستحواذ على الغاضبين من النهضة ومن جميع الأحزاب التي هادنت السبسي أو عملت معه بصورة ألغتها من الساحة السياسية. مشاركة النهضة في الحكم ستفقدها آخر ورقة للحفاظ على قاعدتها لأنها تشارك مجانا ولن يستفيد من هذه المشاركة إلا بعض الطامعين أو بعض الخائفين.

3-أضرار هذا السلوك

يبدو كلامي وكأنه يقتصر على الأضرار التي قد لا تتعلق إلا بالحزب. وطبعا فهذا الفهم لا معنى له. فلست من الحزب ولست مسؤولا عن مصلحته وفي النهاية فإن أهل مكة أدرى بشعابها وإن كانت هذه الحكمة سخيفة بعد تقدم القدرة على المعرفة دون حاجة للقرب المكاني. وإنما همي الأول والأخير هو:

أ- أولا التوازن قي الساحة السياسية التونسية

أي منع أن يصبح البلد منقسما بين ديماغوجية المعارضة الصدامية والصبيانية (المرزوقي والجبهة) وعودة النظام القديم النافي للحياة الديموقراطية بالمزيد من التبعية في الدولة المتسولة التي يعتبرون عبقريتهم متمثلة في إغراقها في الديون وجعلها مجرد مجال تسوح لعجائز أوروبا. وهذا لا يمكن أن يحول دونه إلا وجود حزب إسلامي قوي سواء كان في الحكم أو في المعارضة. ذلك أن أهم شيء في أي استراتيجية هو الحفاظ على رصيد القوة التي بها تتحقق الأهداف: فكما أن الحرب مواصلة للسياسة بوسائل أخرى (حربية) فكذلك السياسة مواصلة للحرب بوسائل أخرى (سلمية). فالسياسة حرب باردة والحرب سياسة حارة: وذلك هو معنى الديموقراطية التي هي منازلة انتخابية وليست قتالية.

ب-دور التيار الإسلامي في استئناف الأمة

وثانيا لا يمكن لتونس من دون تيار فكري وسياسي إسلامي أن تشارك في استئناف الأمة دورها من خلال المرجعية التي تناسب ثقافتها وتحقق شرط التحديث المستقل والمبدع من خلال تجاوز الجغرافيا والتاريخ اللذين فرضهما الاستعمار لمنع كل إمكانية للتنمية الاقتصادية والعلمية بسبب التقزيم الذي حدث للحركات السياسية التي أصحبت قطرية لتؤبد الحدود التي فرضها الاستعمار وتحول دون أي حد أدنى من توحيد المنطقة لتكون قادرة على الندية مع الضفة الشمالية للابيض المتوسط.

4- الطمع  الخوف

لقد تحول هذا التلهف للمشاركة في الحكم إلى تسول مهين. فالجبهة التي لا وزن لها ولا لحمة تضع من الشروط ما لا تتحمله الجبال والنهضة تتذلللطلب”سترابنتان” مدعية أنها حريصة على الصالح العام. وهذه الحجة لا أصدقها: لأن الصالح العام يتمثل في تحديد الأخطار التي قد تنجم على هذه المشاركة والتي بدأت ببيان نوعيها الصادرين عن الحكم الذي يروطهم ليحجم الحركة وعن المعارضة التي لن تبقى لهم القاعدة إلا ما يريد السبسي وجماعته: دون 15 في المائة من الناخبين المصوتين. والغريب أنهم يعلمون أنه لم يخف هذا الهدف لأنه اشار إليه في الانتخابات التي أشرف عليها في السنة الأولى من الثورة.

5-الأيدي الخفية

ويعلم الله أني لا أكن عداء لأي حركة سياسية تونسية (النداء أو الجبهة) أو عربية (نظائرهما) إذا كانت بحق تعمل لصالح الوطن والأمة. لكني أرى أن الكثير من هذه الحركات السياسية -كما بين انحيازها إلى ما يعثر الربيع والانقلابات أعني إلى الثورة المضادة التي مولتها بعض الأنظمة العربية-تتحول بين عشية وضحاها إلى أدوات لا ندري من يحركها وعند التحليل يتبين أن المحرك ليس الصالح الوطني أو القومي بل هو المصلحة المباشرة للقيمين عليها ومن ثم لمن يستخدمهم من وراء حجاب.

وهم ينصبون الأفخاخ لكل من يريد أن يحقق أهداف الثورة وأولها مصالحة الشعب مع ذاته وتحرره من التحديث المستبد وقتل احترامه لذاته وافقاده شروط الحرية والكرامة.
لذلك فالمحافظة على الحركة الإسلامية وحرزها ضد المؤامرات التي تحاك لمنع استئناف الأمة دورها سيبقى همي الأول والأخير, ولولا ذلك ما أضعت دقيقة واحدة من وقتي للكتابة في هذه المسائل. فعندي من المشاغل ما لن تكفي فيه الحياة مهما طالت.


أبو يعرب المرزوقي

cropped-cropped-d8bad984d8a7d98112.jpg

 

أضف تعليق